الاتجاهات الحالية في مجال تدقيق الحقائق

 

عندما يتعلق الأمر بوصف عمل تدقيق الحقائق، فإنني دائماً ما أشبهه بمسرح الجريمة حيث نجد محققين يرتدون بدلات ورقية بيضاء ويفحصون بتدقيق مكان الحادث؛ هم يعتمدون نهجاً – جنائياً عندما عند بدأ عملهم، يُسمى هذا النهج » في علم الأدلة الجنائية «الهجوم الأول»: عندما يُحقق شخص ما في مسرح جريمة جديد باستخدام إجراء مهيكل وموحد لكيفية التعامل مع مسرح الجريمة والذي ينطوي على وضع شارات صغيرة مرقمة وجمع الأدلة في أكياس بلاستيكية، وما إلى ذلك..

وعندما يتعلق الأمر بالتدقيق الصحفي للحقائق، فيتجلى هذا السلوك بشكل متزايد عندما يُطرح السؤال التالي: هل هذه الصورة أو هذا الفيديو الذي تمت مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي صحيح فعلاً؟

لقد أصبح تدقيق الحقائق يُشكّل ركيزة مهمة بشكل متزايد من ركائز الصحافة ومن المشهد الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، ولقد عمّق انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة واضطراب المعلومات من الحاجة إلى تدقيق الحقائق من أجل ضمان تلقي الجماهير لمعلومات دقيقة وموثوقة.

في ذات السياق يُعتبر تدقيق الحقائق أحد أكبر الاتجاهات التي شهدناها خلال العامين الماضيين إذ لم يعد حكراً على مهووسي الحاسوب، بل أضحى يكتسي طابعاً مهنياً مع مرور الوقت وبات منظماً بمجموعة من المعايير حيث خصصت العديد من منظمات تدقيق الحقائق موظفين وميزانيات في إطار تدقيق الحقائق وتعمل الآن على وضع معايير لتنظيم هذا الاتجاه لدعم تحسين وتطوير ودعم ممارسات تدقيق التحقق.

مؤخراً بدأت وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الكبيرة النشطة على الإنترنت مثل تويتر وميتا وغوغل في تمويل مدققي الحقائق ومعالجة مسألة اضطراب المعلومات المتفاقمة؛ وهكذا فإن هناك المزيد والمزيد من الإمكانات الداعمة للصحفيين المتخصصين في مجال التدقيق للقيام بعملهم بحرفية أكبر.

لقد نطاق تدقيق الحقائق ليتجاوز إلى ما هو أبعد من مصادر الأخبار التقليدية. في الماضي ، كان تدقيق الحقائق يركز بشكل أساسي على التحقق من دقة مزاعم السياسيين والشخصيات العامة في وسائل الإعلام، ولكن تدقيق الحقائق أخذ بعدًا أشمل خلال السنوات الأخيرة فتم تطبيقه أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية على الإنترنت وحتى المدونات الشخصية، نظراً لأن هذه المنصات قد أصبحت مصادر رئيسية للمعلومات للكثير من الأشخاص. وهو ما أدى إلى إحداث منظمات جديدة مختصة في تدقيق الحقائق فضلاً عن تطوير أدوات وموارد جديدة لمساعدة مدققي الحقائق على التحقق من الادعاءات المنشورة على هذه المنصات.

وجدت دراسة أجرتها الشبكة الدولية لتقصي الحقائق في معهد بوينتر ، أنه قبل أربع سنوات ، في عام 2018 ، ما يقرب من 65 في المائة من المنظمات المشاركة في التحقق من الحقائق فعلت ذلك كـ “منظمات غير ربحية”. 28 في المائة فقط حققوا في الأخبار الكاذبة كمنفذ للربح. نما هذا الرقم إلى 44 في المائة في عام 2021. كما تغيرت وسائل النشر كثيرًا. تم عام 2018 ما يقرب من 100 في المائة من عمليات التحقق من الحقائق عبر الإنترنت. في الوقت الحاضر ، يتم نشر عمليات التحقق من صحة الأخبار بنسبة تتراوح بين 20 و 25 في المائة في الصحف وعلى شاشات التلفزيون أيضًا. وهذا يعني أن التحقق من الحقائق أصبح جزءًا مهمًا من مجموعة الأدوات الصحفية ، وأن الجمهور يبحث بنشاط عن عمليات التحقق من صحة الأخبار.

توصلت دراسة أجرتها الشبكة الدولية لتدقيق الحقائق في معهد بوينتر إلى أنه قد قام ما يقرب من 65٪ من المنظمات المنخرطة في تدقيق الحقائق قبل أربع سنوات في عام 2018، بالتدقيق والعمل بصفة “منظمات غير ربحية”، وقامت نسبة 28٪ فقط بالتحقيق في الأخبار الزائفة بصفة “مؤسسات ربحية”؛ ولقد زاد هذا الرقم ليصل إلى 44٪ في عام 2021. كما تغيّرت وسائل المنشورات تغيّراً كبيراً حيث أجرى ما يقرب من 100٪ من عمليات تدقيق الحقائق “أون لاين” عبر الإنترنت، حيث تُنشر عمليات تدقيق الحقائق في الوقت الحاضر بنسبة تتراوح بين 20 و25٪ في الصحف والقنوات التلفزيونية أيضاً. وهو ما يعني أن تدقيق الحقائق قد أصبح يُشكّل جزءاً مهماً من مجموعة الأدوات الصحفية وأصبحت الجماهير تبحث بشكل أكبر عن المعلومات الموثوقة.

من ناحية أخرى يُعد الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا والأتمتة أحدى الاتجاهات الأخرى في مجال تدقيق الحقائق. إذ أدى انتشار الأخبار عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى تشكيل كمية هائلة من المعلومات التي تتم مشاركتها، وهو ما جعل من الصعب على مدققي الحقائق التثبت يدوياً من كل ادعاء، وبغية معالجة هذه المشكلة لجأت بعض مؤسسات تدقيق الحقائق إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للمساعدة في تحديد المعلومات التي يُحتمل أن تكون مغلوطة أو مضللة للكشف عنها والإبلاغ عنها حيث يمكن لهذه الخوارزميات تحليل النصوص والصور والفيديوهات للمساعدة في تحديد أنماط ومؤشرات المعلومات المغلوطة التي يمكن مراجعتها لاحقاً من قبل مدققي الحقائق.

بناءً على ما سبق فإننا نرى إقراراً متزايداً بأهمية الشفافية والمساءلة؛ وفي ذات الاتجاه وضعت العديد من منظمات تدقيق الحقائق بروتوكولات ومعايير للعمليات التي تضطلع بها والتي تشمل الكشف عن مصادرها وأساليبها من أجل ضمان أن يكون تدقيق الحقائق عادلاً وغير متحيز. بالإضافة إلى ذلك تم الدفع نحو تحقيق المزيد من الشفافية في الطريقة التي تتعامل بها منصات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات عبر الإنترنت خاصة في ظل سرعة انتشار المعلومات المضللة واضطراب المعلومات. وتشمل الجهود المبذولة تصنيف المحتوى المغلوط أو المضلل أو تمييزه عبر شرح سبب تمييز محتويات دون غيرها.

من المحتمل أن تستمر هذه الاتجاهات في التطور وفي تحديد الطرق المستخدمة لتدقيق الحقائق في ظل استمرار تزايد الحاجة إلى معلومات ومصادر دقيقة وموثوقة.

بقلم/ سايمون كريمر
جرافيك/DWA