في العاشر من ديسمبر 1948، اجتمع ممثلون عن 58 بلدا من جميع أنحاء العالم في باريس ليصنعوا التاريخ. حيث اعتمدت المجموعة المتكونة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. في حين تركز الوثيقة على الحقوق الأساسية والحريات التي يجب أن تتمتع بها البشرية جمعاء، تحتوي أيضا على جملة جوهرية تتعلق بالإعلام والتواصل. إذ تنص الوثيقة على أنه لكلِّ شخص الحقُّ “في التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”

 وبعد مرور أكثر من 70 سنة على ذلك الاعلان لا يزال هذا الحق الأساسي مُهملا في العديد من دول العالم. وصدر المؤشر العالمي لحرية الصحافة لسنة 2020 عن المنظمة غير الحكومية “مراسلون بلا حدود” مُصنفا ليبيا في المرتبة 164 من بين 180 بلدا.  وأفادت المنظمة بأن “تداعيات غياب الاستقرار السياسي وانتشار التهديدات الأمنية كانت وخيمة على الإعلام والصحافيين في ليبيا.” وأصبحت وسائل الإعلام “منافذ للدعاية” وباتت الأطراف السياسية والعسكرية المعنية بالنزاع عين الرقيب على الأخبار”.  كما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه مؤخرا وطالب بـ”مثول كل مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين أمام القضاء”.

 وبعد مرور عشر سنوات على الإطاحة بالدكتاتور معمر القذافي الذي حكم البلاد لمدة طويلة، تبين أن العملية الانتقالية في ليبيا أكثر صعوبة من المتوقع وأن المجموعات المسلحة أرست لها بؤرا محلية في مختلف أنحاء البلاد. وانتُهكت حقوق المواطنين الليبيين في الحصول على المعلومة على الصعيدين المؤسسي والشخصي. فعلى مستوى المؤسسات، لم تنجح الدولة الليبية بعد في تهيئة الظروف المناسبة لإرساء منظومة إعلامية قائمة على التعددية. وتُستخدم جهات البث التابعة للدولة بالأساس كأداة دعائية. أما جهات البث من القطاع الخاص فغالبا ما تحصل على التمويل من الخارج وتعمل وفقا لمخطط سياسي خاص بها. ويشير الخبراء الإعلاميون الليبيون إلى أن القانون الأساسي الذي ينظم المشهد السياسي الليبي قد سُن سنة 1976 وعليه، فإنه لا يُعد من إرث حقبة الدكتاتورية. ولا غرابة في أن هذا القانون يفرض قواعد رقابة صارمة على الصحفيين والجهات الإعلامية.

 وإلى جانب تزايد التهديدات القانونية والمؤسسية لحرية نفاد المعلومات، ارتفعت حالات الاعتداء على الصحفيين بسرعة تبعث على القلق. وآخر مثل على القائمة المطولة من المضايقات والاعتقالات والتهديدات والعنف الجسدي هو اعتقال محمد بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التي تملكها الدولة الليبية يوم 20 أكتوبر 2020. وقُبيل ذلك، اعتُقل أيضا مدير الإذاعة المحلية ‘الجوهرة’ إلى جانب إلقاء القبض على صحفيين اثنين من القناة التلفزيونية الخاصة ‘ليبيا الأحرار’ وفقا لتقارير إعلامية محلية. وكان مرتكبو هذه الاعتداءات المباشرة على حرية الإعلام مجموعات مسلحة تابعة لمختلف الأطراف المتورطة في النزاع.

 ولكن تهديد الحق في الحصول على المعلومة لا يكمن فقط في الحد من هذا الحق جراء العقبات المؤسسية والتضييق على الأشخاص. بل هو أيضا هذا التوجه لنشر حملات الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية وهو توجه يتزايد بسرعة ويبعث على القلق، كما أنه يحد من حصول المواطنين الليبيين على المعلومة الدقيقة. ويتحدث العديد من الخبراء عن أن الفيسبوك قد أصبح ساحة المعركة الجديدة للنزاع الدائر. وتزايد استخدام الأخبار الكاذبة كسلاح استراتيجي في مساعي الفوز في معركة الآراء وتشويه الخصم. وتفاقم هذا الإشكال خلال الأشهر الأخيرة جراء تواتر عدة خرافات ونظريات المؤامرة التي تحيط بموضوع فيروس كورونا.

ولهذا تعمل أكاديمية دويتشه فيله وشركاؤها على مختلف المستويات للمساهمة في الحصول على المعلومة بكل حرية. ويمكن للصحفيين الليبيين أن يعززوا مهاراتهم المهنية عن طريق المشاركة في الدورات التدريبية المتعلقة بمواضيع على غرار البحث الصحفي وامتهان المرأة للإعلام وصحافة الموبايل. ويجري العمل حاليا على محاور تدريبية جديدة تركز مباشرة على تحسين السلامة الشخصية للعاملين في القطاع الإعلامي. وختاما، يخضع الصحفيون الليبيون للتدريب على أحدث الأدوات والطرق لرصد الأخبار الكاذبة ودحضها. وتمخضت هذه الجهود بالفعل عن عدة مبادرات للتحقق من الوقائع في مختلف أنحاء البلاد. ولا شك في أن الطريق لا يزال طويلا قبل ضمان استمتاع الليبيين بحقهم الأساسي في الحصول على المعلومة والذي نُصّ عليه منذ أكثر من 70 سنة خلت. ولكننا نشهد يوميا خطوات صغيرة تأخذنا نحو تحقيق هذا الهدف.

يان فيليب