الأفلام الوثائقية والمصالحة في ليبيا

نظمت أكاديمية دويتشه فيله الجزء الثالث من ورشة العمل حول الأفلام الوثائقية في تونس مؤخرا” في إطار مشروعها المُمول من الإتحاد الأوروبي “الإعلام في ليبيا – الاستقرار من خلال المصالحة”، ولعل المشاركين في هذه الورشة قد شعروا بنفس ما شعر به “سيزيف”، الملك الأسطوري ل “كورنثه”. فقد تمكنوا من خلال عروضهم من الحصول على دعوة لورشات العمل التالية التي تنظمها الأكاديمية. ولإعداد أفلامهم تعين عليهم أن يعيدوا العمل على مشروع الفيلم الأصلي وتحسينه خلال الورشة. وبالتالي بدا لهم وكأن الصخرة التي تمكنوا من إيصالها إلى أعلى قد تُفلت منهم وهم على بُعد خطوات من خط النهاية لتنحدر مجددا إلى أسفل. لا شك في أنها كانت تجربة تدعو على الإحباط بالنسبة لهم، ولكنها تجربة مألوفة يمر بها كل صانع أفلام.

وفي نهاية المطاف لم تذهب جهودهم هباء. فقد تمكن صانعو الأفلام المشاركون في الورشة من تحسين السكريبت وتعزيز إدماج موضوع المصالحة ضمن تصوراتهم. وأثمر ذلك أفلاما وثائقية جديدة يجري العمل عليها حاليا ويتم إنتاجها من كل أنحاء ليبيا تقريبا.

ومن بين المحاور الأساسية لورشة العمل محور الكتابة الدرامية. وقد سبق للمشاركين أن تناولوا هذا الموضوع خلال ورشة العمل الثانية حين شاهدوا معا فيلم “كوكا الجزار”.

 وقد أثار الفيلم عدة تساؤلات في أذهان المشاركين: مثلا، هل تقوم كل الأفلام الوثائقية على التزام صارم بالكتابة الدرامية أم أن مخرج الفيلم قد طوّع قصّة الفيلم بنفسه. وأدت هذه التساؤلات إلى نقاشات مثمرة. وذلك ما أردنا أن نصب عليه تركيزنا ونستغله خلال ورشة العمل الحالية لتعزيز قدرات الكتابة الدرامية في صفوف المشاركين وهو ما جعلنا نشاهد عددا أكبر من الأفلام مقارنة بالورشة السابقة. وذهبنا مجددا إلى قاعة السينما معا واستمتعنا بالأمسية هناك.

وعلى غرار المرة الماضية، فتح فيلم آخر آفاقا مميزة في أذهان المشاركين. ويتعلق الفيلم اللبناني “وكل يوم أحلى” بما يعيشه الطفل السوري أحمد في بيروت يوميا. ويترك هذا الفيلم المجال مفتوحا للغاية أمام المشاهدين لإعطائهم عدة فرص لإثارة أسئلة عن حياة أحمد والتأمل فيها. ويتكوّن الفيلم بذلك في ذهن المشاهد ومُخيّلته، وتختلف قراءته بالتالي من مشاهد إلى آخر وهو ما تبين من النقاشات التي تلت الفيلم فيما بين المشاركين. ولا يحظى الفيلم بنهاية حقيقية كذلك، بل ينتهي بمشهد تتجول فيه الشخصية الرئيسية في المدينة على دراجتها مُمارسة هوايتها المفضلة وينتهي المشهد فجأة عند هذه النقطة. ويبقى مستقبل أحمد مجهولا ولا تُوجد في الفيلم أي إشارة إلى مصيره. وكان هذا العنصر الذي يُشرك المشاهد في سرد القصة محور تركيز المشاركين وأثار مختلف الآراء في نقاشاتهم.

وفي سياق الصورة المجازية لأسطورة سيزيف، من الواضح أن الصخرة التي واصل المشاركون دحرجتها للوصول بها إلى قمة الجبل قد اكتسبت حجما أكبر خلال ورشة العمل وتكرر انحدارها إلى الوراء مرات عدة.  ولكن على عكس سيزيف، لم يكن سعي المشاركين إلى مواصلة دحرجتها إلى أعلى بدافع اضطرارهم إلى ذلك. ففي الهند أسطورة مماثلة لأسطورة سيزيف تتعلق بـ’نارانث بهرانثان’ الذي يُدحرج الصخرة ليصل بها إلى قمة الجبل مرارا وتكرارا. ولكنه يفعل ذلك طوعا بدافع الاستمتاع، مثله كمثل طفل صغير يستمتع برؤيتها تنحدر في كل مرة.